|

كتاب الإيمان والتجربة الدينية

وصف الكتاب

كتاب الإيمان والتجربة الدينية تأليف الدكتور عبد الجبار الرفاعي.

يقول د. عبد الجبار الرفاعي حول التجربة الدينية وصولاً إلى تجربته الدينية التي عاشها ويعيشها: “التجربة الدينية تعني مواجهة الله وإدراك حضوره، والمثول في حضرته، وتحسس هذا الحضور وتذوقه روحياً. هي نحو تجلّ وجودي للإلهي في البشري. وبتعبير المتصوف الهندوس رادهكر شنان: “أقوى برهان على وجود الله هو إمكان تجربته وإدراك حضوره. فالله مُعطي تجريبي، ومضمون محسوس للتجربة، وحالة روحانية”. التجارب الدينية متنوعة، كتجربة الانجذاب والهيبة، تجربة الاعتماد، تجربة الأمل، تجربة الحب، و… الخ.

الإيمان الديني يرتكز إلى هذه التجارب، والنوع الأعمق والأشدّ لهذه التجارب ماعاشه الأنبياء والأولياء والمتصوفة والقديسون؛ إذ كانت لهم تجارب عميقة جداً، وقريبة غاية القرب من الألوهية. التجارب الدينية أعمق من مستويات الأديان، فهي النواة المركزية للأديان. معارف الدين تهتم بتفسير هذه التجارب وتصنيفها، والكشف عن الحقيقي والزائف منها، وكيفية تمييزها عن: الحيل، والشعوذات، والهلوسات، والاضطرابات، والتشوهات والعقد، والجروح النفسية، والأمراض العقلية، والانهيارات العصبية.

ففي ميراث التصرف المعرفي والعرفان النظري نعثر على شروحات وتفسيرات؛ تضيء لنا حقيقة التجارب الدينية، وطبيعتها، وحدودها، وأنماطها، ووسائل تحققها، وآثارها في بناء الحياة الروحية، وبيان العلاقة العضوية للتجارب الدينية بإرواء الظمأ الأنطولوجي.

“الظمأ الانطولوجي” يعني افتقار الشخص البشري إلى ما يثري وجوده، ويكرّس كينونته، ويمنحه وقوداً لحياته، حيث تفتقر حياته لوقود يحركها، ويشبع حاجته لمعرفة معنى لحياته، ويكشف له عن سرّ الحياة، ويعزز قدراته؛ بالمستوى الذي يجعله قادراً على التغلب على مشكلة الوجود البشري في هذا العالم.

“الظمأ الأنطولوجي” يجتاح حياة كل كائن بشري، يوصف هذا الكائن بتعطّش للامتلاء بالوجود، كي يتخلص من الهشاشة، ويجعل حياتة ممكنة في هذا العالم الفارق بالآلام والأوجاع، وتكون له القدرة على العيش بأقل ما يمكن من المرارات والأحزان، ويخرج من حالة القلق إلى السكينة، ومن اللا معنى إلى المعنى، ومن العدمية إلى الحقيقة.

التجارب الدينية بمختلف مستوياتها وأنماطها هي منهل ارتواء الظمأ البشري؛ لكن كلّ شخص يرتوي منها حسب استيعاب ظرفي وعائه وقدرته على المثول في حضرة الله.

التجربة الدينية جوانية، غاطسة في الذات؛ بل متماهية معها، لايمكن بلوغها بأدوات ووسائل حسية، وربما لا تشير إليها ظواهر التدين الخارجية، أو قد تشي بعكسها أحياناً، كما لو معظم رجال الدين، الذين ربما يؤشر خطأ ما يمارسونه من قداسات وطقوس وشعائر؛ إلى عمق تجاربهم الدينية؛ رغم أن عالمهم الباطن بعيد عن الله.

يستمد كل شخص فهمه من ذاته ووجوده الخاص وأفق انتظاره. يتلون الفهم على الدوام بفضاء الذات وخبرتها، لذلك لا يُفهم الإيمان إلّا في فضاء الإيمان، ولا تُفهم التجربة الدينية إلّا في فضاء التجربة الدينية، فما لم نتحقق بهذه التجربة؛ ليس بوسعنا تقديم فهم واضح لها. مثلما لا يفهم طبيعة الحب إلّا من يتذوق الحب. ولا يفهم البهجة إلّا من تشرق نفسه ابتهاجاً، ولا يفهم القلق إلّا من يغرق بالقلق… لحظة يمتلك الإيمان قلبك، تصير أنت الأمن وأنت السكينة. أمنك هو إيمانك، وإيمانك هو أمنك […].

التذوق العرفاني وفلسفته… التجربة الإيمانية وماهيتها فضاءات رحبة.. ومنطلقات ذات شفافية تلامس الروح.. وتمضي في عمق الذات الإنسانية لمعرفة أسرار بحثها عنا يروي ظمأها الأنطولوجي نحو الإيمان في رحلتها وراء معرفة حقيقة الدين والتدين.. والتدين الذي يتحدث عنه الباحث د.الرفاعي هو ذلك الإيمان الغاطس المتوحد بالذات؛ بل هو كينونة المؤمن الوجودية، سواء أسميت ذلك ديناً أو إيماناً.

يتحدث عن ذلك كله انطلاقاً من تجربته الروحية: إن الإيمان هو الإيمان، بل يمكنني القول في سياق تجربتي الذاتية، أنّي لم أعثر على أمان خارج فضاء الإيمان. إيمان مثلما أتذوقه هو إيمان أنطولوجي متوحد بكينونتي. العلاقة بالله فيه أفقية لا عامودية. إنّها علاقة جوهرها الحب والحرية، لا تتضمن؛ استرقاقاً وقهراً وانتهاكاً لكرامتي واضطهاداً. حقيقة الحب في ضميري هي الصلة بالحق، أو يوصلني بالحق. الحبيب هو من يذكرك بالله. لا يضيء الذات إلّا ذكر الله. لا تسكن الذات إلا حين تصبح سكناً لله. القلب المتيم بالله هو سكن الله. ما غنى وأرق ما يصوره لنا تعبير مولانا جلال الدين الرومي: “هو الذي توطّن مدينة القلب. فأين أسافر. هو الذي سكن حدقة العين فإلام أنظر.” حيث يكون القلب وطناً للحق، فلا اغتراب. حيث تمتلئ الروح بالمعنى، فلا حزن أو وجع. حيث يرتوي القلب بالحب الإلهي، فلا خوف ولا قلق ولا وجل، ليس ثمّة إلا المحبة والأمن والسكينة والسلام.. ((الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)). […] وكما د.عبد الجبار الرفاعي، كذلك كان لمجموعة من الباحثين عرب وغربيين والذي شكّلت أبحاثهم في فلسفة الإيمان والتجربة الدينية مادة هذا الكتاب رؤياهم في هذا المجال، في محاولة للاقتراب أكثر فأكثر من جوهر الإيمان الذي يجعل الإنسان يعيش تجربته الدينية الحقّة، انطلاقاً من معرفة ذاته.. فمن عرف نفسه عرف ربه.

 

 ملف الكتاب   قناتنا على تيليجرام  

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *