كتاب بلاغة السرد
كتاب بلاغة السرد المؤلف :محمد عبد المطلب اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2013 عدد الصفحات : 700 |
كتاب بلاغة السرد تأليف محمد عبد المطلب.
هذه هي المرة الأولى التى أقدم فيها للقارئ دراسة موسعة في السرد الراوئى، فقد استغرقتنى قراءة الشعر العربي منذ امرئ القيس حتى لحظة الحاضر المزدحمة بتعارضات حداثية يكاد ينفي بعضها البعض استغرقتنى قراءة الشعر حتى أبعدتني عن خطاب إبداعي له حضوره الكثيف الذي ينافس حضور الشعر ويزاحمه في مكانته بوصفه ديوان العرب)، ومن ثم ترددت مقولات هنا وهناك تشير إلى نوع إزاحة للخطاب الشعرى من المقدمة ليكون ثانيا أو ثالثا، فأطلق الدكتور عبد القادر القط مقولته عن زمن الدراما التليفزيونية، وأطلق الدكتور جابر عصفور مقولته عن زمن الرواية لكن هذا الابتعاد عن الخطاب الروائي لم يكن كاملا فقد كنت بين الحين والآخر أستميح الشعر، وتمتد يدى إلى نص من النصوص الروائية، وما إن أبدأ الصفحة الأولى حتى أنغمس إلى أعماق في النص، ولا أتركه إلا بعد أن أفرغ منه، وتتابعت هذه الامتدادات على فترات متقطعة، ثم تحول الانقطاع إلى تواصل والتواصل إلى تلاحم وامتزاج، وأدركت – عند ذاك – أنه قد فاتنى الشيء الكثير، كما أدركت أنني لم أظلم الخطاب الروائى بعدم إقبالى عليه قراءة ودراسة ، وإنما ظلمت نفسي؛ لأننى حرمتها من شيء كثير، هذا الشيء فيه جانب من الفن وجانب من المتعة، وفيه جانب من الحياة، وجانب من الخبرة بالوجود البشرى وغير البشرى، وكل ذلك أو بعضه قد يقدمه الخطاب الشعرى، لكن ليس على النحو الذي يقدمه الخطاب الروائي، ولا يرجع ذلك إلى الدرجة المعيارية التي ينتمى لها هذا أو ذاك، وإنما يرجع إلى خصوصية كل جنس وقدراته في إنتاج هذه الجوانب الخصبة الثرية.
لقد كانت تتعدد أسفارى إلى كثير من بلدان عالمنا العربي لمهمات علمية، أحيانا، أو لمشاركة فى مؤتمرات أدبية أحيانا أخرى، وكان السؤال الذى يتابعنى فى معظم أسفارى : أين دراسة الرواية في مسيرتك النقدية ؟ وكنت أتعلل بأنني أولا وقبل كل شيء – دارس للبلاغة العربية والشعر أقرب أجناس القول لهذه البلاغة، لأنه كلف بتوظيف أدواتها في إنتاج جماليته . البلاغة هي التي قادتني إلى الشعر، والشعر هو الذي يردنى إلى البلاغة، وكنت أدرك وهن هذا التعلل، وأنه من ضرورة الأمور استكمال المسيرة النقدية بالإقدام على قراءة الخطاب الروائي وممارسة مجموعة من الإجراءات التحليلية التي أفيد فيها من ممارساتى التحليلية على الخطاب الشعري، وصح العزم منى على الإقدام، فكانت هذه القراءات التي يمكن النظر إليها بوصفها محاولة لتجاوز (المدخل) – مدخل الرواية – لالج إلى غرقها ودهاليزها، وأجوس خلال أبهائها وأفنيتها، وهو ما أرجو أن يتم إذا امتد الزمن، وأسعفت الأحوال.
ولابد أن أعترف بأن إقدامى على قراءة الخطاب الروائي لم يستند إلى ما قدمه الخطاب النقدى للرواية على وجه العموم، سواء في ذلك الخطاب النقدى العربى أو العالمي. بل إني قد سعيت حثيثا إلى تجنب هذه الإجراءات المحفوظة التي مارسها النقد في مراحل سابقة، ووصل فيها إلى إنجازات لافتة، لكنها – في رأيي – لم تكن كافية، لأن الخطاب الأدبى – عموما – خطاب لغوى بالدرجة الأولى، ومن ثم فهو في حاجة إلى إجراءات تحليلية تكشف عن لغويته ودور هذه اللغوية في إنتاج النصية الروائية. وهذا يعنى أن الإجراءات التي مارستها على الشعرية – بوصفها فنا لغويا – صالحة لأن تمتد – بكل فاعليتها – إلى الخطاب الروائى، ومن ثم يمكن اعتبار هذه القراءة إضافة متواضعة إلى ما سبق أن قدمه الخطاب النقدى عن الرواية عموما، والسرد على وجه الخصوص، ولا أدعى أن الدراسات السابقة لم تعتمد اللغوية في ممارساتها الإجرائية على نحو مطلق، وإنما الذى أدعيه : أن هذه الممارسة كانت محدودة بحدود النوعية، أى أنها لغوية روائية قد تتوافق أو تتخالف فى قليل أو كثير مع (اللغوية الشعرية) .
أخلص من هذا كله إلى أن الزمن الذى انصرف في قراءة الشعر لم يكن زمنا ضائعا بالنسبة للرواية، بل يمكن النظر إليه بوصفه مقدمة تمهيدية يسرت لى الإقدام على قراءة الرواية بأدوات الشعرية وتقنياتها الجمالية، مع فضل إضافات فرضتها الخصوصية النوعية للرواية، لم أستطع منها فكاكا، برغم يقيني بانكسار النوعية، أو على الأقل : اهتزازها .
وهذا كله أضعه بين يدى القارئ في إطار احتمالية (الرفض أو القبول)
لقد توجه المتن إلى قراءة مجموعة من الروايات، وأعترف أن اختيارها لم يكن محكوما بإطار منهجي صارم، وإنما كان محكوما بميل خاص دفعني إلى الإبحار في عالمها، ولا شك أن مثل هذا الميل يمثل نوعا من الخلل المنهجي، لكني أثرت أن استجيب لهذا الميل على أن أخضع لمنهج انتقائي يحتكم إلى الزمنيه أحيانا، ومعيار القيمة أحيانا أخرى، وأظن أن هذه طبيعة ،البدايات وأنا اعتبر نفسى قد وضعت قدمي لأخطو الخطوة الأولى، ولا أعتزم التوقف وما وقع من تجاوز منهجي قد حاولت أن أجبره في مقدمة القراءة، كما أعتزم أن أجبره في قراءات قادمة تعتمد التعامل الخطاب الروائى فى عمومه، لا في فرديته أو خصـوصـه مع وعندها سوف أتحرر من إسار إدوار الخراط في (يقين العطش)، وإغوائية جمال الغيطانى فى خلسات الكرى وفانتازيا فؤاد قنديل فى (روح) محبات)، وهى تلك الفانتازيا التي شدتني إلى (مدينة) اللذة لعزت القمحاوى، ثم حكائية هالة البدرى في منتهى)، وشاعرية ميرال الطحاوي في (الخباء). أما نصوص المقدمة، فإنها تتسع لاستيعاب اثنى عشر نصا مرتبة هجائيا على النحو الآتى :
1- أربع وعشرون ساعة فقط يوسف القعيد
٢ – الابنة فاتن نعیم صبری
3- اهبطوا مصر محمد عبد السلام العمري
٤ – التبر إبراهيم الكوني
5 – تغريبة بني حتحوت مجيد طوبيا
٦ – المدندش أحمد الشيخ
۷ – الرهينة زید مطیع دماج
8- الشمعة والدهاليز الطاهر وطار
۹ – صخب البحيرة محمد البساطي
١٠ – صالح هيصة خيري شلبی
۱۱ – قناديل البحر إبراهيم عبد المجيد
۱۲ – موسم الهجرة للشمال الطيب صالح
لا شك أن اقتصار القراءة على هذه النصوص، يعلن عن قصور بالغ، سوف يغضب الكثيرين، وقد يكون لهم بعض الحق في هذا الغضب، لكن عذرى أننى مهما حاولت قراءة نصوص أخرى، فلن أتمكن من تحقيق القراءة الاستغراقية، فهي فوق طاقتي، وأعتقد أنها فوق طاقة أى قارئ ومن ثم فإن الغضب سوف يظل قائما، لكن الذي أؤكده أن مجموع الاختيارات لم يعتمد على حكم بالقيمة بحال من الأحوال، وإنما اعتمد على نصوص بعينها لكشف ظاهرة محددة. وأملى عظيم في أن يتسامح جمهور الروائيين في طرح سؤالهم الحتمى : لماذا اخترت هذا وتركت ذاك ؟.